تُعد السمنة المفرطة واحداً من أهم تحديات الصحة العامة عالميًا، نظرًا لارتباطها بعدد كبير من الأمراض المزمنة، وعلى رأسها الأورام. ومع التطوّر الكبير في جراحات السمنة خلال العقدين الماضيين، أصبح من الضروري تقييم تأثير فقدان الوزن الناتج عن هذه العمليات ليس فقط على الأمراض الاستقلابية، بل أيضًا على احتمالات الإصابة بالسرطانات المختلفة.
وفي 3 سبتمبر 2025 نُشر تحليل شامل لأربع دراسات طويلة المدى امتدت على مدار 20 عامًا (من 2005 إلى 2025)، وتضم 65 ألف مشارك. يقدّم هذا التحليل نظرة معمّقة حول العلاقة بين النزول المستدام في الوزن بعد جراحات السمنة وبين معدلات الإصابة بالأورام المختلفة، مقارنةً بالأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة أو السكري المرتبط بالسمنة.
أهمية التحليل الجديد
ما يجعل هذا التحليل مميزًا هو:
- المدة الزمنية الطويلة التي تغطي 20 عامًا من المتابعة.
- عدد المشاركين الكبير (65 ألف شخص).
- تعدد أنواع الأورام المدروسة، والتي تشمل:
- أورام الثدي
- أورام المبايض
- أورام القولون
- سرطان الكبد
- سرطان البنكرياس
- أورام الثدي
- المقارنة المباشرة بين مرضى السمنة ومرضى السمنة الذين خضعوا لعمليات إنقاص الوزن وأصبح وزنهم طبيعيًا أو قريبًا من الطبيعي.
هذا التنوع والقوة الإحصائية تمنح النتائج مصداقية عالية ووزنًا علميًا مهمًا
السمنة والأورام: ما العلاقة؟
ترتبط السمنة المفرطة بارتفاع معدلات أنواع كثيرة من السرطانات نتيجة عدد من الآليات البيولوجية، من بينها:
- زيادة الالتهابات المزمنة في الجسم.
- ارتفاع مستويات الإنسولين وعوامل النمو المرتبطة به.
- اختلال الهرمونات، خصوصًا الهرمونات الجنسية.
- تراكم الدهون الحشوية وتأثيرها على استقلاب الخلايا.
ولذلك، فإن مقارنة معدلات الأورام بين الأشخاص الذين استمروا في السمنة، وبين من نجحوا في فقدان الوزن عبر جراحات السمنة، تمثل خطوة أساسية لفهم التأثير الفعلي لهذه العمليات على خطر الإصابة بالأورام.
تفاصيل الدراسات الأربع التي شملها التحليل
شملت الدراسات المشاركين وفق الفئات التالية:
- مرضى سمنة مفرطة، بعضهم يعاني من السكري من النوع الثاني المرتبط بالسمنة.
- مرضى خضعوا لجراحات سمنة (مثل التكميم أو تحويل المسار) وتمكنوا من الوصول إلى وزن طبيعي أو قريب من الطبيعي.
وأُجريت متابعة طبية طويلة المدى لكل شخص، لرصد:
- وزن المريض على مدار السنين.
- ظهور أي أورام خلال فترة المتابعة.
- نوع الورم، ووقت ظهوره، ومعدل تكراره.
هذه المعلومات جعلت التحليل قادرًا على تقييم تأثير فقدان الوزن تأثيرًا مباشرًا وواضحًا على خطر الإصابة بالسرطان.
نتائج التحليل: انخفاض واضح في معدلات الأورام بعد فقدان الوزن
أجمعت الدراسات الأربع على نتيجة محورية:
الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة لديهم معدلات أعلى بشكل واضح من الإصابة بالأورام مقارنةً بمن فقدوا الوزن بعد جراحات السمنة.
ووجد التحليل أن فقدان الوزن بعد الجراحة أدى إلى انخفاض كبير في احتمالات الإصابة بأنواع متعدّدة من الأورام، أبرزها:
1. سرطان الثدي
من أكثر السرطانات ارتباطًا بالسمنة، خاصة لدى النساء بعد انقطاع الطمث.
نتائج التحليل أوضحت انخفاضًا ملحوظًا في معدل الإصابة به بعد عمليات السمنة.
2. سرطان المبايض
يرتبط بارتفاع الأنسولين والاضطرابات الهرمونية المصاحبة للسمنة.
انخفضت نسب الإصابة لدى اللواتي فقدن الوزن مقارنة بالمصابات بالسمنة المفرطة.
3. سرطان القولون
السمنة من أهم عوامل الخطورة لهذا النوع.
فقدان الوزن أدى إلى تقليل الاحتمالات بشكل واضح.
4. سرطان الكبد
أغلب الحالات ترتبط بتراكم الدهون على الكبد مع مقاومة الإنسولين.
انخفاض الوزن ساهم في تقليل تطور التليف والكبد الدهني، وبالتالي تقليل خطر الورم.
5. سرطان البنكرياس
يُعد من أخطر السرطانات وأكثرها ارتباطًا بالسمنة والسكري.
التحليل أظهر انخفاضًا في معدلات الإصابة به بعد الوصول لوزن طبيعي.
لماذا تنخفض الأورام بعد جراحات السمنة؟
تفسير هذا الانخفاض يعود لعدة عوامل مثبتة علميًا، منها:
- انخفاض الالتهاب المزمن في الجسم، وهو عامل رئيسي في بدء نمو السرطان.
- تحسن حساسية الإنسولين وانخفاض مستويات السكر، ما يقلل من البيئة المناسبة لنمو الخلايا السرطانية.
- استعادة توازن الهرمونات، خصوصًا الهرمونات الجنسية لدى النساء.
- تقليل الدهون الحشوية التي تؤثر بشكل مباشر على مسارات النمو الخلوي.
- تحسن صحة الكبد وتراجع الكبد الدهني، مما يقلل خطر سرطان الكبد.
الاستنتاج النهائي للتحليل (2005–2025)
بعد تحليل البيانات المستخلصة من 65 ألف شخص على مدار عشرين عامًا، يمكن تلخيص الاستنتاج في النقاط التالية:
- السمنة المفرطة عامل خطورة رئيسي للإصابة بالعديد من الأورام.
- معدلات الإصابة بالأورام أعلى بوضوح عند مرضى السمنة مقارنةً بالأشخاص ذوي الوزن الصحي.
- جراحات السمنة، التي تؤدي إلى فقدان وزن مستدام، تقلل خطر الأورام إلى مستويات قريبة من المعدل الطبيعي.
- التدخل المبكر لعلاج السمنة قد يساهم في الوقاية من السرطان على المدى الطويل.
هذه النتائج تؤكد أن جراحات السمنة ليست حلاً تجميليًا أو خيارًا لتحسين الشكل فحسب، بل هي تدخل علاجي وقائي فعّال يغيّر المسار الصحي لمئات الآلاف من المرضى حول العالم.
متى يجب التفكير في جراحات السمنة؟
ينصح الأطباء عادة بالتفكير في جراحات السمنة في الحالات التالية:
- مؤشر كتلة الجسم أعلى من 40.
- مؤشر كتلة الجسم أعلى من 35 مع وجود أمراض مصاحبة مثل السكري من النوع الثاني أو ضغط الدم أو توقف التنفس أثناء النوم.
- فشل محاولات فقدان الوزن بالطرق التقليدية.
- وجود تاريخ عائلي أو عوامل تزيد خطر الإصابة بالأورام.
في هذه الحالات، لا تقتصر الفائدة على فقدان الوزن فقط، بل تمتد إلى حماية المريض من السمنة ومن المضاعفات الخطيرة المرتبطة بها، وعلى رأسها الأورام.
خلاصة
يمثل التحليل المنشور في سبتمبر 2025 خطوة علمية مهمة تؤكد أن علاج السمنة المفرطة ليس رفاهية، بل ضرورة طبية للوقاية من أخطر الأمراض.
فقدان الوزن بعد جراحات السمنة يعيد الجسم إلى بيئة صحية أكثر توازنًا، ويقلل بشكل كبير من احتمالات الإصابة بالأورام خلال السنوات اللاحقة.
